ذاتَ حياة، كانت طفلة وردية..
بأعين زنبقية وقلب من بنفسج..
كانت تحلم بتسلق جبل .. شاهق، حد النجوم علوه.
بالأخضر مغطى لا بالبياض.
تحلم أن تنظر للأفق من أعلى قمته -فوق السحب وبين ألوان قوس قزح- فترى الحقيقة كاملة:
البشر بضآلة حبات الرمل.. العالم بحجم عُلبة كبريت.
صباحًا، قررت..
لملمت قطعها المكسورة
برفق، وضعتها في حقيبة بلون ضفائرها،
وضعت معها حبات السكر والبندق وقطع الكعك.. أما أوراق النعناع فكانت زيادةً للأمان.
لم تنسَ بالطبع إحضار..
النسمة التي داعبتها يوم كانت (فرحانة أوي)
ثم الآهة التي كسرتها يوم كانت (زعلانة أوي)
وكلمسة أخيرة.. اقتلعت لون الورد والزنابق و البنفسج من جذور روحها.
أحكمت غلق الحقيبة .. ثم رفعتها على ظهرها الغض.
حين بدأت في التسلق.. حملتها أجنحة العصافير .. رافقتها بالونات الأطفال وفقاقيع الصابون.
في أعلى الأعالي وجدت الطفلة أسماكًا طائرة وفراشات مغردة..
كانت بسعادة النور... حيث لا ظلال
وكمن تحيا لأول مرة..
أنشدت أغنيتها لآخر مرة:
كل شي عم يخلص
السهر والاحلام
كل شيء عم يخلص
الضجر والإيام
الطريق عم يصغر ونحنا ع الطريق
رح تخلص المسافة.. والطريق
جلست الطفلة فوق صخرة بقمة الجبل..
أنزلت الحقيبة عن ظهرها..
بأصابعها الصغيرة البيضاء فتتت ما تبقى من قلبها المثقوب وأضافت فتاته لمحتويات الحقيبة.
احتضنتها لساعات ثم بقبلة مسكية العبق ودعت ما بها.
بأمل مريح -لا بفعل الراحة ذاته- أمسكت أطراف الحقيبة ..وقفت في اتجاه الرياح..
وقفت على أطراف أصابعها المنمنمة ورفعت الحقيبة بأقصى ماتطال قامتها القصيرة.
ثم كحبات المطر..
بدأت تهطل قطعها المكسورة ذات رائحة البنفسج وطعم السكر.. بغزارة وريقات الخريف مع رياح الأغنية:
كل شي عم يخلص
السهر والأعياد
والسفر عم ينده
بمطارح بعاد
الخريف عم يخلص
ونحن بالخريف
والضبابة غطت الرصيف
حال غسلت العالم بلون طفولتها الوردي،
كانت وأخيرًا قد نزعت عن عينيها نظرتها شديدة اللمعان نحو العالم والتي حالت دومًا بينها وبين حقيقته/ عتمته.
الدني عم بتغيب.
تمت
-_-_-_-_-_-_-_-_-
أبطال الأغنية:
ماجدة الرومي - إلياس الرحباني